ما هو الإلحاد؟


[صخرة الإيمان الديني: النهاية المستحيلة]
1.
قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء. فالإلحاد، مقارنة بالعقائد الدينية الإبراهيمية مثلاً، أكثر وضوحاً وصراحة من حيث الدلالة والأهداف.
[ملاحظة هامة: لا أتحدث عن خزعبلات المعنى القاموسي لكلمة "إلحاد" في اللغة العربية بل المعنى الاصطلاحي المقابل للكلمة الإنجليزية: Atheism].
2.
وبسبب هذا الوضوح والجلاء وبعد أن فشل مسلمو الإنترنت و"مموليهم" من كل حدب وصوب في التصدي لانتشار وتوسع الإلحاد في بلدانهم فإنَّهم قد سعوا بسذاجة لا يحسدون عليها إلى الكذب والتلفيق والتزييف.
ومن مظاهر هذا السعي: 
الادعاء بأنَّ الإلحاد، كما الإسلام، عقيدة ودين!
ولهذا، واستناداً إلى هذا المنطق، فإنَّ الملحد مؤمن كما المسلم لكنه لا يعترف بهذا الإيمان!
3.
ولهذا عليَّ الآن القيام بمهمة تقديم تعريف للإلحاد ملائم لتلاميذ المدارس وحاملي "شهادات الدكتوراه" بفقه النجاسة ومن يقع بين هذين الطرفين من حملة الهبالة على حد سواء.
فهل من الممكن تقديم تعريف واحد جامع للإلحاد؟
للاسف لا.
إنَّ ردة الفعل العنيفة للمجتمعات الدينية المحافظة إزاء فكرة "الإلحاد" قد اشترط نوعاً من "التقية" في تفسير مفهوم الإلحاد من قبل بعض الملحدين واللادينيين من جهة، وإلى تنوع الموقف من الدين من جهة أخرى، مما أدى إلى تنوع في عملية التعريف .
ولكن إلى حد ما يتعلق الأمر بتصوراتي عن الإلحاد فأنا لا أجد غير مستويين للتعريف - إذا صح التعبير:
المستوى الأول:
هو أن الإلحاد رفض الإيمان بأي نوع من الآلهة - بغض النظر عن الاسم والغاية والهيئة - وجميع الأديان والعقائد والتصورات المرتبطة بها - وخصوصاً النبوة والكتب المقدسة المرتبطة بهذا الإيمان. 
والعقائد الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية والإسلام مثال نموذجي على هذه الأديان والعقائد السائدة في الكثير من المجتمعات.
أما المستوى الثاني والأكثر جذرية:
فهو رفض وجود الآلهة نفسها لا رفض الإيمان بها فقط.
وإذا كان المستوى الأول يوحي بمعنى أننا يمكن أن نعيش بدون الحاجة إلى الإيمان بوجود هذا أو ذاك الإله، فإن المستوى الثاني يقرر أنَّ لا دليل على وجود الآلهة.
إنَّ "غياب الدليل" الذي استغرق آلاف السنين هو دليل مدهش على خرافة "الله".
لقد عجز المؤمنون بخرافة "الله" عن تقديم دليل على وجوده خارح رؤوسهم. أما ما يسموه "أدلة" فهو أمر لا يتعدى حدود القناعات الإيمانية الني لا تصمد أمام أي اختبار عقلاني وهي بضاعة لأسواق المسلمين فقك.
4.
أما طبيعة وشدة هذا الرفض لوجود الآلهة فإنه قضية شكلية لا يجب أن تمس فكرة الإلحاد من حيث الجوهر.
وكل الهرطقات والهراء الإسلامي حول الفكرة المزيفة بأن "الإلحاد عقيدة" هو "جعجعة بلا طحين"!
5.
من هنا تنبع الطبيعة العامة التي تميز الملحدين:
التنوع في التصورات والمنطلقات الثقافية والفكرية وإمكانيات الإختلاف التي لا حدود لها إزاء الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
فسقوط العقائد يؤدي إلى سقوط كل أنواع الدوغما والأيدولوجيات الممكنة والتي تميز الفكر الديني والحزبي على حد سواء [الطوائف والملل والفرق الدينية أحزاب دينية/سياسية مستترة بقناع التفسير اللاهوتي]
6.
وبالتالي فإنَّ أي نوع من التهاون أو "التردد" أو اللف والدوران في التعريف المشار إليه في النقطة الثالثة يكون المرء قد كف عن أن يكون ملحداً.
إذ لا يوجد "خروج" أو "دخول" إلى الإلحاد ولا يوجد "إيمان" ولا "ارتداد".
إنه قبول أو رفض التصورات الإلحادية ولا شيء آخر. ولا يوجد أي نوع من الحكم القيمي إزاء الأشخاص.
فالحرية الفكرية - حرية الرأي - أساس الفكر الإلحادي ومتى ما انهارت هذه الحرية فإننا سنكون أمام "عقيدة دينية" لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بفكرة الإلحاد.
7.
واستناداً إلى هذا التصور البسيط (وليس التبسيطي) للإلحاد تتحدد الأوضاع التالية:
- ليس في الإلحاد تبشير ولا دعوة للإنضمام أو إدانة بسبب الخروج من الإلحاد.
- الملحدون لا يطالبون الممؤمنين بمغادرة أديانهم، بل مطالبتهم بالتفكير واحترام عقولهم. فللإيمان نتائج اجتماعية وثقافية خطيرة على الفرد ولهذا يجب إدراكها وحساب حسابها.
- الملحدون لا يطالبون بمنع الأديان.
- لكن الملحدين وكل من لم يودع عقله في القرن الحادي والعشرين جدير بأنْ يطالب بفصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام ذات الملكية العامة. وهذا ما يؤدي إلى تحرير الناس من سلطة اللاهوت جماعةً وأفراداً ولا شأن لهذا السلطة بحياة الأفراد.
الدين قضية شخصية والناس أحرار آمنوا أم لم يؤمنوا. أما السلطات الدينية فلا وجود لها على الأفراد خارج حدود المعابد الدينية.
- إنَّ حرية الضمير والعقيدة تعني من غير لف ودوران:
حرية الإلحاد والإيمان على نفس المستوى والقيمة والأهمية.
8.
إنَّ التعبير الذي يشيع استخدامه بين اللادينيين "مسلم كيوت" هو تعبير زائف عندما يتعلق الأمر بموضوع الإلحاد والإيمان. فالمرء إما أن يؤمن بوجود خرافة "الله" أو لا يؤمن.
ولهذا فإن هذا الـ"كيوت" يؤمن بجميع الخرافات والأساطير الدينية وبكل ما يرتبط بها من نتائج ثقافية.
إما إذا كان يعني بأنه لا يرفع راية "الجهاد" ضد الآخرين فهذه قضية أخرى لكنها لا تغير من الإيمان شيئاً.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر المواضيع المنشورة:

بورنوغرافيا لاهوتية

الموضوع تحت الإنشاء

المواضيع الأكثر قراءة: